يشهد العالم ارتفاعًا كبيرًا في معدلات الإصابة بمرض السكري، وفقًا لدراسة حديثة نُشرت في مجلة "ذا لانسيت"، والتي أفادت بأن عدد المصابين بمرض السكري بلغ أكثر من 800 مليون بالغ، وهو رقم يُعادل ضعف التقديرات السابقة. هذا الارتفاع المفاجئ يحمل تداعيات خطيرة على الأنظمة الصحية والاجتماعية والاقتصادية في جميع أنحاء العالم. والأسوأ من ذلك أن أكثر من نصف هؤلاء المصابين، خاصة الذين تزيد أعمارهم عن 30 عامًا، لا يتلقون العلاج اللازم، مما يفاقم من مخاطر المرض على حياتهم.
في هذا المقال، سنلقي نظرة على العوامل التي تقف وراء هذا الارتفاع العالمي، ونتحدث عن التداعيات الخطيرة لمرض السكري غير المُدار، ونستعرض أهم الاستراتيجيات التي يمكن اتباعها للحد من هذا الوباء الصامت.
ما هو مرض السكري؟
تعريف مرض السكري
مرض السكري هو اضطراب مزمن يؤثر على قدرة الجسم في تنظيم مستويات السكر في الدم. يُقسم المرض إلى نوعين رئيسيين:
- النوع الأول: مناعي ذاتي، حيث يهاجم جهاز المناعة خلايا البنكرياس المسؤولة عن إنتاج الإنسولين.
- النوع الثاني: يحدث نتيجة مقاومة الجسم للإنسولين، وغالبًا ما يكون مرتبطًا بنمط الحياة غير الصحي والسمنة.
أرقام عالمية صادمة
- عدد المصابين: 800 مليون شخص بالغ يعانون من مرض السكري، وفقًا لدراسة "ذا لانسيت".
- العلاج غير المتوفر: أكثر من 50% من المصابين الذين تتجاوز أعمارهم 30 عامًا لا يتلقون العلاج اللازم.
- الأكثر تضررًا: مناطق مثل إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث يحصل فقط 5-10% من المرضى على الرعاية الصحية المناسبة.
أسباب الارتفاع العالمي في معدلات الإصابة بمرض السكري
1. تغير نمط الحياة
- الاعتماد المتزايد على الأطعمة المصنعة والوجبات السريعة الغنية بالسكريات والدهون.
- انخفاض معدلات النشاط البدني بسبب الحياة العصرية والتكنولوجيا.
2. ارتفاع معدلات السمنة
- السمنة تُعدّ عاملًا رئيسيًا في تطور النوع الثاني من السكري، حيث تؤدي إلى مقاومة الجسم للإنسولين.
- زيادة السمنة العالمية ترتبط بالأنظمة الغذائية غير الصحية وقلة الحركة.
3. العوامل الاقتصادية والاجتماعية
- ارتفاع تكاليف العلاج والرعاية الصحية يؤدي إلى نقص العلاج في الدول النامية.
- الفقر والجهل الصحي يلعبان دورًا كبيرًا في تفاقم المشكلة.
4. الوراثة والجينات
- الجينات تلعب دورًا في تحديد احتمالية الإصابة بمرض السكري، خاصة النوع الثاني.
- إذا كان أحد الوالدين مصابًا بالسكري، فإن احتمالية إصابة الأبناء ترتفع بشكل ملحوظ.
5. التقدم في العمر
- مع زيادة متوسط العمر المتوقع، يزداد عدد كبار السن المصابين بالسكري، حيث يصبح الجسم أقل كفاءة في استخدام الإنسولين.
التداعيات الخطيرة لمرض السكري غير المُدار
1. مشاكل صحية خطيرة
- أمراض القلب والأوعية الدموية: مرضى السكري أكثر عرضة للإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية.
- أمراض الكلى: السكري هو السبب الرئيسي للفشل الكلوي.
- مشاكل العين: يمكن أن يؤدي السكري إلى العمى بسبب تلف الأوعية الدموية في الشبكية.
2. العبء الاقتصادي
- ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية لعلاج مرضى السكري، بما في ذلك الأدوية، التحاليل، والعناية بالمضاعفات.
- خسائر الإنتاجية بسبب الإجازات المرضية والعجز المرتبط بالمضاعفات.
3. الضغط على الأنظمة الصحية
- ازدياد عدد المصابين يؤدي إلى ضغط هائل على الموارد الصحية في الدول النامية والمتقدمة على حد سواء.
المناطق الأكثر تضررًا من وباء السكري
1. إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى
- تعاني هذه المنطقة من نقص كبير في البنية التحتية الصحية.
- يحصل فقط 5-10% من مرضى السكري على العلاج اللازم.
2. الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
- توقعات بارتفاع نسب الإصابة بنسبة 16.8% بحلول عام 2050 بسبب تغير أنماط الحياة وزيادة معدلات السمنة.
3. الدول النامية
- الفقر والجهل الصحي يُفاقمان من انتشار المرض، حيث لا يستطيع العديد من المرضى تحمل تكاليف العلاج أو حتى الفحوصات الدورية.
استراتيجيات لمواجهة وباء السكري
1. التثقيف الصحي
- التوعية بأهمية النظام الغذائي الصحي وممارسة الرياضة بانتظام.
- حملات توعوية لتثقيف الناس حول مضاعفات مرض السكري وطرق الوقاية منه.
2. تحسين الأنظمة الصحية
- تطوير البنية التحتية الصحية لضمان توفير الرعاية اللازمة للمرضى.
- تقديم برامج دعم للمرضى في المناطق النامية لضمان حصولهم على العلاج المناسب.
3. تشجيع الأبحاث العلمية
- الاستثمار في أبحاث علاج السكري، خاصة في مجالات العلاج بالخلايا الجذعية والعلاج الجيني.
- دراسة تأثير العوامل البيئية والوراثية على انتشار المرض.
4. التكنولوجيا الطبية
- استخدام الأجهزة الحديثة لمراقبة مستويات السكر في الدم، مثل أجهزة القياس المستمرة (CGM).
- تطوير تطبيقات صحية لمساعدة المرضى على تتبع حالتهم الصحية وتنظيم أدويتهم.
5. الوقاية من خلال نمط حياة صحي
- تقليل استهلاك السكريات والدهون المشبعة.
- ممارسة الرياضة بانتظام لتجنب السمنة وتحسين حساسية الإنسولين.
أبحاث حديثة تبشر بالخير
1. العلاج بالخلايا الجذعية
- أظهرت تجربة في الصين نجاحًا في علاج مريض باستخدام الخلايا الجذعية، مما قد يمثل خطوة هامة في علاج المرض.
2. الأدوية الجديدة
- وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على أدوية جديدة تُبطئ من تقدم مرض السكري من النوع الأول وتقلل من مضاعفاته.
3. اللقاحات الوقائية
- أبحاث جارية لتطوير لقاحات قد تمنع تطور مرض السكري لدى الأشخاص الذين لديهم استعداد وراثي.
دور الفرد في الوقاية من السكري
1. التغذية الصحية
- اختيار الأطعمة الغنية بالألياف مثل الحبوب الكاملة والخضروات.
- تجنب الأطعمة المصنعة والمشروبات السكرية.
2. النشاط البدني
- ممارسة الرياضة لمدة 30 دقيقة يوميًا على الأقل.
- الأنشطة البسيطة مثل المشي أو ركوب الدراجة لها تأثير إيجابي على الصحة.
3. الفحوصات الدورية
- إجراء فحوصات منتظمة لمستويات السكر في الدم، خاصة للأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي للمرض.
الخاتمة
مرض السكري يمثل تحديًا عالميًا يتطلب استجابة فورية وشاملة من الأنظمة الصحية والمجتمعات والأفراد. مع استمرار ارتفاع معدلات الإصابة، يصبح من الضروري الاستثمار في التوعية والوقاية، وتطوير العلاجات التي تستهدف جذور المشكلة.
الدراسات الحديثة مثل تلك المنشورة في "ذا لانسيت" تسلط الضوء على خطورة هذا المرض وآثاره بعيدة المدى، لكنها تمنحنا أيضًا الأمل في إمكانية الحد منه من خلال التعاون العالمي واعتماد نمط حياة صحي.
لن يكون القضاء على وباء السكري مهمة سهلة، لكنه هدف يمكن تحقيقه من خلال التكاتف والعمل المشترك على المستويات كافة.